قال الأزهريّ: (قال ابن عبّاس: كنت ما أدري ما فَطْر السماوات والأرض، حتّى احتكم إليَّ أعرابيّان في بئرٍ، فقال أحدهما: أنا فَطَرتُها، أي: أنا ابتدأت حفرها)[1].
وأخبرني المُنذريّ، عن أبي العبّاس أنّه سمع ابن الأعرابيّ يقول: أنا أوّل من فَطَر هذا، أي: ابتدأه.
وقال صاحب اللسان في شرح قوله (ص): "كلّ مولودٍ يولد على الفِطرة"، قال: (الفَطر: الابتداء والاختراع)[2].
وقال الراغب[3]: (الفِطْرَة: الحالة: كـ"الجِلْسَة" و"الرِكْيَة").
وقال أيضاً: (وفَطَر اللهُ الخلقَ، وهو: إيجاده الشيء وإبداعه على هيئةٍ مترشّحةٍ لفعلٍ من الأفعال، فقوله: (فِطرَةَ اللهِ التي فَطَرَ الناسَ عَلَيْها) هي: ما ركّز فيه من قوّته على معرفة الإيمان المشار إليه بقوله: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ) (الزخرف/ 87)، وقال: (الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ) (فاطر/ 1).
ولابدّ لنا هنا أن نشير إلى أنّ "فِطْرَة" على وزن "فِعْلَة" وهي: "الصيغة" التي تدلّ على "الهيئة" أو "الحالة"، وهذا يعني: أنّ الله ابتدأ خلق الناس على هيئةٍ وحالةٍ، ولابدّ أن تكون هذه الهيئة والحالة لها صلة بالدِين، وذلك يُفهم من سياق الآية، حيث يقول عزّ من قائل: (فَأَقِمْ وَجْهَكَ...).
فـ"الفطرة" إذن: حالة وهيئة دينيّة خُلِق عليها الناس ابتداءً، ولكن ماذا تعني هذه الحالة الدينيّة؟ فإذا رجعنا إلى النصوص فإنّ أوّل ما يتبادر إلى الذهن من الحديث المشهور: "كلّ مولودٍ يولد على الفطرة فأبواه يُهوّدانه، أو يُنصّرانه، أو يُمجّسانه كمثل البهيمة تنتج البهيمة، هل ترى فيها جدعاء"[4].
الهوامش:
[1]- تهذيب اللغة للأزهريّ: "مادّة فطر".
[2]- لسان العرب لابن منظور "مادّة فطر".
[3]- مفردات الراغب للأصفهانيّ: 383.
[4]- صحيح البخاري 3: 197.
المصدر: مجلة رسالة التقريب/ العدد الثاني لسنة 1993م
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق